في صدفةٍ كأنها البارحة ..
قبل العقود الماضية ..
في نهارٍ شمسهُ متحجبة ..
صيفيٌ غائمٌ أمطارهُ متحايلة ..
إستوقفتني البائعة ..
تشير للمصباح بالسبابة ..
كأنها العرافة ..!
بل إنها العرافة ..
ذات العلوم الساحرة ..
كحيلةُ العينين ..
نظراتها كأنها شيطانة ..
كثيرة التأتأة ..
صوتها كأنه المزمار في ألحانه ..
ماذا تريد الساحرة ..
ذات العيون الناعسة ..
في الحارة الرملية المجاورة ..
سورٌ لتلك القلعة المنسية ..
ذات الثقوب الظاهرة ..
وحولها بساتين زهرٍ ذابلة ..
وعند تلك الزاوية ..
أحفورةٌ غجرية ..
رسومها كأنها هندية ..
حلقيةٌ وسطيةٌ جغرافية ..
حدود تلك الزاوية ..
نهايةٌ للحارة الرملية ..
وبدايةٌ لحارتي المرمرية ..
هناك حيث إستوقفتني الساحرة ..
لأشتري البضاعة ..
ماذا لديها يا ترى ..
ماذا تبيع الساحرة ..
للحظ أحجارٌ كثيرة ..
شعار تلك البائعة ..
بحرية جوفيةٌ نهرية ..
أحجار تلك الطاولة ..
ذات السيقان العالية ..
جميلةٌ ألوانها ولامعة ..
لكنها لم تغرني ..
جميعها متشابهة ..
مملة ..
متزاحمة ..
سألتها عن إسمها ..
فالناس تجهل إسمها ..
فتأتأت في لفظها ..
تشير بالسبابة ..
تمرجح السبابة ..
بيني وبين نحرها ..
أجبتها كإسمي ..
فتأتأت بل إنني أنتي ..
من القرون السابقة ..
ضحكت من كلماتها ..
محتالةٌ يا بائعة ..
غادرت أطراف المكان ..
لأحتسي خلاصة الكاكاو ..
في مطعمٍ يزوره الأمير ..
فوّاحةً زهوره تثير ..
برفقة الكتاب واليراع ..
والبحر من أمامي كالسماء ..
نقيةٌ مياهه مرآه ..
وقعره كأنه الضياء ..
سبحان من تجلّى ذو الجمال ..
وأحسن التصوير والإبداع ..
بين رشقةٍ ورشفات ..
زارني وحي الكلام ..
وبدأت تسطير الغرام ..
كعادتي ..
أغازل العشاق والمشتاق ..
لتستثير حروفي الخيال ..
وأستبيح الخوض في التقبيل ..
وأداعب الإحساس بالقلم الرصاص ..
في صفحةٍ غرامها ممنوع ..
ويلي من الرقابة ..
ويلٌ لمن قرأ الجريدة ..
والويل كل الويل من نقد النقابة ..
بعد أيامٍ قليلة ..
مررت قرب الطاولة ..
ماذا جرى للبائعة ..
أين الأحافير القديمة ..
ما حلّ بالمكان من أزاحة ..
رفعت رأسي يائسة ..
ماذا رأيت ..
قطعةٌ فريدةٌ من نوعها ..
سوداء لامعةً ..
كأنها عين جنيّة ..
متدلّية من سقف العلّية ..
وما هي العلّية ..
مظلةٌ خشبيةٌ متآكلة ..
شقوقها سلاسلٌ متقطعة .
معقودةٌ في حلَقة المصباح ..
ذاك الذي أشارت له السبابة ..
في نهارٍ كأنه البارحة ..
قررت أن أحرر المصباح ..
وأرتدي قلادة الحجارة ..
وفوق تلك الطاولة ..
حفرت إسمي باليراع ..
علّها تزورني البائعة ..
وعدت أدراجي لبيتي ..
فالنوم سلطانٌ ينادي ..
مصباح تلك البائعة ..
ينير دون مداد ..
ونوره كأنه دخان ..
الليل يرعبه المكان ..
حرارةٌ كأنها النيران ..
تبثها الحجارة السوداء ..
نظرت في سوادها ..
رأيتها مستلقية ..
تحدق بي البائعة ..
في نظرةٍ ليست غريبة ..
مخيفةٌ وغير مخيفة ..
منامٌ هذا أم أنها الحقيقة ..
مسجونةٌ انتِ أم أنني مجنونة ..
سألتها ..
تجاهلتني البائعة ..
ناديتها بإسمها ..
بإسمي ..
بإسمنا فـ ثارة الحجارة ..
رأيتني حبيسة الحجارة ..
والبائعة تعلق القلادة ..
في نحرها وتقول لي يا ساحرة ..
رأيتها كأنها أنا ..
رأيتني كأنني هي ..
كل ما فيني صار يشبهها ..
طلاء أضافرها ..
رقعة الحناء بين أصابعها ..
سيقانها الهزيلة ..
ضفائرها اللولبيةٌ الكستنائية ..
تتخللها خيوطٌ زاهية ..
كأنها مزهرية ..
شفتاها الحمر كالحمم المتوهجة ..
أنفها الأرنبي ..
ونحرها يا سادة ..
تخنقة اللآلئ المتزاحمة ..
جاء الصباح ..
قامت كأنها أنا ..
لملمت قصاصات الحياة ..
ألقت تحياتي للجيران والعامة ..
خلخالي يرنّ قرب قدمها ..
تفوح منها رائحة عطري ..
تسير فـ ثباتٍ واثقة ..
كأنها حوريةٌ مختالة ..
جلست بقرب الأمير ..
تحتسي الكاكاو ذو الطعم اللذيذ ..
تطالع البحر الجميل ..
وفي هدوءٍ غامض التخمين ..
خلعتني من رقبتها ..
ودعتني دون تقبيل ..
رمتني لقاع ذلك البحر المضيء ..
دون تبرير ..
عيناي تستنكران الفاجعة ..
الماء يغمرني ..
الموج من فوقي يعوم ..
سأموت ..
أنا لا أموت ..
بين أحضان الحجارة أنفاسي تدور ..
كأنني للبحر سأكون ..
أرفض السجون ..
لا أقبل الهزيمة والخضوع ..
أغمضت عيناي في غضبٍ شديد ..
صرخت من جوف الحجارة أستغيث ..
صرخةً أيقظتني من سباتٍ عميق ..
رأيتني أمام الطاولة ..
ومن أمامي البائعة ..
حلمٌ من يقظة الطريق ..
يشبه الهاوية ..
رفعت رأسي للسماء ..
رأيتها المعلقة ..
تلك الحجارة ..
تلك التي تشبه العين اللعينة ..
ومصباحها المعلق بالسلاسل ..
سألتها عن إسمها ..
أجابتني برقةٍ غجرية ..
إسمي كإسمك يا صبية ..
أدركت أن الوقت قد حان ..
لأعود أدراجي للوراء ..
وأقسم بالدين والأديان ..
لن أنشر الكلام ..
لن أرهق العشاق ..
لن أحتسي الكاكاو ..
لن أبوح بأسرار المنام ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق