القصيدة



سـ أكتبها القصيدة ..
بعد أن كثر الملام ..
سـ أرويها التفاصيل الكثيرة ..
بإختصارٍ ودون اختصار ..
إعْتِرافي ليس جريمة ..
كلنا نعشق الممنوعات ..
قصيدتي ليست مثيرة ..
لا تشبهها ملحمة أمير الشعراء ..
سأبدأ سردها من النهاية ..
لن أفضح البدايات ..
كلها ثرثرات ..
وبعض الحكايات .. 

في غرفتي سجادةٌ عجمية أنيقة ..
ورثتها عن سيدة غنية ..
وتحفةٌ فينيقيةٌ ..
إبتعتها سراً قبل تحرير المدينة ..
ولوحةٌ خلابةٌ باريسية ..
عاريةٌ نسائها يشربن من كأس الطبيعة ..
وزجاجة عطرٍ خالية ..
يفوح منها الياسمين كل ليلة ..
نافذتي بلا ستارة ..
البدر يدخلها وشمس الظهيرة ..
سريري تنام عليه الجنّية ..
وأنام فوق وسادتي القطنية ..
بين أحضان الأريكة ..
فوق المنضدة ..
تزاحمت براويز العائلة ..
وتحت المنضدة ..
تستند شجيراتٌ لولبية ..
تخفي شقوق الجدار الأزلية ..

مُلهمتي طاولةٌ صغيرة ..
صنعتها من الخيزران ذات عشيّة ..
مع الكرسي الهزاز ..
وعلبة السكاكر ..
وعلبةٌ أخرى لأصحاب السجائر ..
هنا أكتب القصائد ..
أصحح المعاجم ..
ألغي قانون الضرائب ..
أستجوب الملوك وعبيد المراقص ..
أحقق الإنتصارات ..
هنا ..
أكتب ما أشاء ..
دون أن أخشى المشانق ..

أحضرت فنجاني القديم ..
البن مطحونٌ مع الهيل وقرنفل كشمير ..
والقليل من ماء صنّين ..
خلطةٌ سريةٌ تحفز الأحاسيس ..
طعمها اليوم غريب ..
مذاقها كأنه النبيذ ..
هو التحذير ..
قهوتي اليوم تشكو النحيب ..
خالية من السكر وضحكات البساتين ..
تفور في دمي كلما فار الإبريق ..
كأنها تستغرب التوقيت ..
قلمي سيكتب قصة الغريب ..
وقت الصباح ..
كيف أكتب في النهار ..
بلا تجريح ..
دون رجفات الظلام ..
سمعت استنكار نجمات المساء ..
لم أعُرها الإهتمام ..
اليوم أعلنت التأهب للرحيل ..
تحت ظل الياسمين ..
وحيدة متقمصةً ملامح الشجاعة ..
دون سيفٍ مسنون ..
ولا خيول ..

من أنا ..
ماذا عساني أكون ..
طبيبة العيون ..
جراحة العظام والقلوب ..
عرّافةً دجالةً ساحرةً قارئةً للكفوف ..
راقصةً تخدر العقول ..
ماذا أقول ..
كيف أعلنها للحضور ..
لست الأميرة النائمة بين الحقول ..
لست سندريلا الملوك ..
لست ليلى لست عبلة لست جولييت الغيور ..
لست أي شيء مما يظنون ..
أنا إنسانةٌ ريفية ..
غريبة الأطوار ..
من فصيلة النساء ..
أنثى تحركها الشجون ..
واليوم يأسرني الهوى ..
وهو ..
وزهرة التوليب .. 

قررت أن أدوّن تاريخ النهار ..
سأكتب ماذا حلّ بالقبطان ..
قاتل الرهبان ..
وثورات تلك البلاد ..
ماذا أقول ..
الباب لا تقرعه أخبار الغصون ..
أين الزهور ..
الصيف بخر عطرها وأهداني الجنون ..
كيف الهروب ..
البحر من خلفي وفرعون وأقداري غموض ..
ماذا جرى ..
ما عدت أعرف ما أقول ..
تطرحني الأسئلة ويغشاني الذهول ..
كيف أكتب المستور ..
الأحرف العربية الهوجاء مزقت السطور ..
فقدت ترتيب الحروف ..
أدري ولست أدري كيف أغوتني الغيوم ..
كل الحروب كتبتها بعد الغروب ..
أنا الفارس ..
أنا المحارب ..
أنا كل أبطال النجوم ..
اليوم تهزمني السنونوات ..
اليوم ترتعش القلوب ..
اليوم تحكمني المشاعر والظنون ..

قبل القصيدة ..
جف حبر أقلامي الجديدة ..
زالت سطور العرض من فوق الجريدة ..
صفحةٌ بيضاء تنقصها الكتابة ..
أين الكتابة ..
أين القصائد والمقالات الجميلة ..
أين ملحمتي الجديدة ..
رحلت معه ..
لتلك المدينة ..
وأنا أحاول لملمت القصيدة ..
لم تكتمل معيَ الحروف ..
لم تلتقي فيني الفصول ..
لم أرتقي بالشعر يا شعري ..
ويا كل الحروف ..
هو المُلام ..
يصدني لتهجرني الكلمات ..
لتنساني القوافي والسياق ..
ليمنع حروف الجر عن معانقة الكلام ..
غرّر بالتنوين ذات مساء ..
فتبعثرت مني العبارات ..
راوغ الكلمات ..
فضاعت مني الكلمات ..
وضاعت قصيدتي ..
ضاع الكلام ..

لا أدري لمن أبوح بالكلام ..
لمن أحاول ترتيب القوافي والفصول ..
لن أفضح المستور ..
لا الحديث ولا لكل القصائد والحروف ..
سأكتفي بإعلان الهروب ..
دون إكمال القصيدة ..
دون جروح ..
سأرحل بلا أمتعة ..
مع نهاية تموز ..
قبل أن تصيبني حمى الإشتياق ..
لماذا يا ترى اشتاق ..
لمن اشتاق ..
لا أدري ..
أَأشتاق لك ..
أم أشتاق لحديثي معك ..
أم أنني أشتاق لحماقاتي الكثيرة معك ..
لست وحدك من أرهقته حروفي ..
حتى أنا أرهقتني كلماتي معك ..
قبل شهر أيلول ..

ليست هناك تعليقات: