إلى جداول الماء بين طيات الخدوش ..
إلى شجيرات الجبال ..
إلى النسائم والرعود ..
إلى ثقوب جدران الكهوف ..
أحن للوديان والأطلال والزهور ..
إلى ريف البقاع وعشتار والناعور ..
إلى صيدا وشيرا ودير انطار ..
إلى عانوت وعبرين وزكرون ..
إليك أحن يا بيروت ..
تروق لي حياة الخريف ..
في قريةٍ جبليةٍ غرب الشروق ..
بين حدائق الزيتون ..
وأزهار العيون ..
حيث الخرير يلحن الدبكات أصوات الطيور ..
في منزلٍ عتيق ..
تفوح من أركانه رائحة الربيع ..
وحطب الشتاء ..
وبارود تلك الحروب ..
حين بكت بيروت ..
أتوق لقهوة المزاح ..
مع الرفاق ..
كما كنت كل صباح ..
حيث تزدحم الفناجين والمزهريات ..
وأفواهٌ تدندن مع فيروز ..
تنادي طائر الوروار ..
وصخرة البحار ..
دندناتٌ تتبعها دندنات ..
ورؤوسٌ تتأرجح فالهواء ..
تتمايل كما الغُصينات ..
في شُرفة الصباح ..
ذات الهداهد والحمام ..
وعصافيرٌ تغرد للسماء ..
لكِ تغني يا بيروت ..
إشتقت لأشجار الخريف ..
عارية الأوراق تسترها مظلات الطريق ..
لحمرة الشمس قبل الغروب ..
كأنها خدود العروس ..
للعنب والتين والتوت ..
ومياه نهر صنِّين ..
للإستلقاء على العشب الرقيق ..
ذو الزهور والحلزون ..
وبلورات الندى المتناثرة هناك ..
تلألؤها خيوط الشمس ..
وتكنسها الرياح كل مساء ..
إشتقت للحبق والإكليل ..
وشاي الياسمين ..
وحفلة التبصير ..
وضحكات النساء في تشرين ..
وهمسات المغاوير ..
إشتقت إليك يا بيروت ..
لا تبكي يا بيروت ..
لا تبكي يا أرض الحضارات ..
لا تذرفي الدمعات ..
ستكونين دوماً كما كنت ..
عروس البلاد ..
وإشبيلة الجمال ..
ستلتئم الجراح ذات النهار ..
ستعود الزغاريد والرقصات ..
سنعود ..
بلهفةٍ وشوق سنعود ..
لنشم رائحة البلاد ..
وعرق الزهور ..
وشذى الصنوبر في الشتاء ..
ثقي بأننا سنعود ..
لحضن أرضك يا بيروت ..
الصبح يسألني عنك ..
والليل يغويني لغزوِك ..
العشق بات في رواياتي قليلٌ ..
الهيام يا منبع الهيام عليلٌ ..
والأحرف المجنونة ..
والعِبارات الجريئة ..
والقُبل الحميمة ..
كلها باتت غريقة ..
في قعر الوجود ..
تنتظر الوقود ..
من فيض نفط القلوب ..
والعزف الخجول ..
ذاك الذي يروي العروق ..
يشفي مغازِلها الحروف ..
من حمم الجمود ..
قررت أن أعود ..
نعم سأعود ..
لأرمم الحنايا والكسور ..
لأنفض الغبار عن قلبٍ ينوح ..
لتعود بسماتي وضحكات العيون ..
لألملم النجمات من حوض الحياة ..
لأرتدي ملابس الخريف ..
لأغني للحياة من جديد ..
وأشم رائحة الياسمين ..
من بعيد ..
وأنا أحتسي قهوة الصباح ..
من شُرفةٍ فوق الجبال ..
نسماتها هوجاء ..
تحرسها شجرة البلوط ..
تلك التي عانقتها ذات مساء ..
حين ودّعت حبيبتي بيروت ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق